الجزء الاخير من برج الميزان
المدير الميزان
من الصعب أن يكون رجل برج الميزان رب عمل مستقلا و ذلك لإيمانه بمبدأ المشاركة في جميع الحقول و الميادين . فإذا وجد على رأس مؤسسة أو شركة ما لا بد من أن يكون إلى جانبه – و لو لم يظهر علانية – على الأقل شريك واحد . على كل حال سواء أوجد الشريك أم لم يوجد يبقى رجل الميزان في سدة الرئاسة إنسانا قلقا في قرارة نفسه و إن بدا عكس ذلك . و هو قلما يلازم مكتبه طويلا بل يخرج منه المرة تلو المرة دون أن تظهر عليه العجلة أو الاهتمام الشديد . و بكلام آخر يبدو ساكنا هادئا على الرغم من انهماكه في العديد من الأفكار و الأعمال . تلك الظاهرة هي من بين التناقضات الكثيرة التي فطر عليها .
يبقى رجل برج الميزان على الرغم من علو شأنه إنسانا خجولا دمث الطبع يسعى إلى التلاحم مع غيره عن طريق المحادثة الإيجابية . لكن من الخطأ الاعتقاد أنه يثرثر أو يرمي الكلام جزافا . إنه ولا ريب يهيئ آراءه و أقواله قبل الإفصاح عنها , و لهذا السبب يستطيع الاستمرار في كلامه السلس المنمق دون أن تضعف حججه و قوة إقناعه . و بما أنه إنسان موضوعي و محلل من الدرجة الأولى يفضل دائما منح الآخرين فرصة التعبير عن آرائهم و معتقداتهم كي تتسنى له المقارنة الصحيحة , و من ثم الخروج بأفضل الاستنتاجات . و مع ذلك لا يستبعد على مدير برج الميزان أن يرجع عن قراراته النهائية بعد طول البحث و التفكير الأمر الذي يحير من حوله دون أن يسبب له أدنى انزعاج . المهم بالنسبة إليه هو أن يبقى ذلك التوافق بين عقله و مشاعره الأخرى . تلك هي حكمته الأساسية .
بين أرباب العمل التابعين لبرج الميزان نساء كثيرات يعملن في مكاتب في غاية النظافة و التنسيق و ينجحن في خلق أجواء من السكينة و الهدوء مستمدة من حكمة الشرق التي تستهويهن . و هن يحطن أنفسهن عادة بالزهر و النبات و الموسيقى و المرايا و الألوان الهادئة و يقضين أوقاتهن بالمطالعة و الاختلاط بزملاء العمل , و لكنهن لا يترددن في إظهار القسوة و الصرامة إذا ما دعت الظروف إلى ذلك . و الطريف أنهن أصلب من رجل برج الميزان في معاملتهن للموظفين و المستخدمين . يضاف إلى هذا أنهن يكرهن الاستغابة و النميمة ولا يسمحن بأن تتردد الشائعات داخل المكتب , و هن يحفظن الأسرار ولا يتدخلن في ما لا يعنيهن . و مع ذلك يبقين نساء في الدرجة الأولى , أي أنهن يتعرضن للوقوع في الحب دون أن يفقدن وعيهن الكامل . بقي القول أن أناقة ربات العمل هؤلاء تلفت الانتباه حقا .
يحتاج رب العمل في برج الميزان – رجلا كان أو امرأة – إلى الطعام الجيد المتعدد الأصناف و إلى الراحة ساعة على الأقل خلال النهار , و هو يكره الضجيج و الأصوات العالية و الكلام الفظ , و يحب دعوة موظفيه إلى منزله حيث يجيد استقبالهم و يشرف على راحتهم بنفسه . هذا و يتهمه البعض بالبخل بينما يراه البعض الآخر سخيا جدا . و الحقيقة أن فيه الصفتين معا الأمر الذي يعتبر أحد تناقضاته .
يتصرف هذا الإنسان في المكتب و خارجه تصرفا لائقا يرضى عنه الجميع . و هو يؤمن بالأعمال المشتركة – كما ذكرنا سابقا – و لهذا السبب يشجع على إيجاد النقابات المختلفة و على تطبيق العدالة بين جميع الناس . و هو في موقفه هذا يثبت أنه بعيد عن الأنانية و جدير بالثقة و الاحترام , و ليس كما يتصوره البعض . إنه على الرغم من أخطائه إنسان عظيم في رجاحة عقله و سلامة منطقه , و هذا وحده كفيل بمحو سيئاته الأساسية التي هي التردد في اتخاذ الرأي و الرجوع عنه في بعض الأحيان .
الموظف الميزان
يمتاز الموظف المولود في برج الميزان بحس مرهف تجاه الأشياء و الأشخاص مما يؤثر في مزاجه و كفاءته فيأخذان في الصعود و الهبوط مثل كفتي الميزان الحقيقي . من العوامل التي تؤثر فيه بصورة سلبية فلا يعطي كل ما يقدر عليه الضجيج و الصراخ و الاستعجال و تصلب الأوامر بينما يتفاعل إيجابيا مع الهدوء و الصبر و اللطف و الموسيقى و الألوان الهادئة . . . الخ .
هذا الرجل – في أفضل حالاته – وسيط خير و محبة بين زملاء العمل , يقرب وجهات النظر و يجمع الشمل و يصفي النيات . وهو كثيرا ما ينتمي إلى النقابات و الجمعيات حيث تتسنى له فرص أكثر للدفاع عن حقوقه و حقوق الآخرين . لذلك يظل يجادل و يناقش و يبحث و يسأل دون أن يتخلى عن المنطق و الحكمة اللذين منت الطبيعة بهما عليه . غير أن من الصعب معرفة ما يرضيه أو يزعجه بصورة مستمرة , فهو قد يكره فجأة ما كان يحب أو يحب ما كان يكره . و مهما يبدر منه يظل الصراخ أو العنف أسوأ وسيلة تسيره . في هذه الحالة يتخلى عن دماثته و اعتداله و يصبح كسولا عنيدا و لو أغضب الجميع .
لا بد من أن يكون هذا الإنسان مبحرا في القانون أو خبيرا بحقل ما بالإضافة إلى عمله الأساسي . و هو ينتمي غالبا إلى ناد ثقافي أو مكتبة حبا بالمطالعة . هذا و من هواياته المفضلة النزهات الطويلة سيرا على القدمين و الاستماع إلى الموسيقى أو العزف على آلة ما و قراءة المواضيع الفلسفية أو مناقشتها . أما الموظفة الأنثى في برج الميزان فتبدو حلوة الوجه ساحرة الابتسامة كاملة الأناقة . و هي كزميلها تنتمي إلى أحد النوادي و تقرأ بكثرة و تمشي المسافات الطويلة . و كلاهما يكره الوحدة و يسعى لإقامة العلاقات الطبيعية بأفراد الجنس الآخر . كذلك يهتم الموظف الذي ينتمي إلى برج الميزان بالمجلات التي تتناول المواضيع الجنسية شرط أن تكون ذات مستوى رفيع . إنه قلما يعيش وحيدا , فهو إما متزوج أو يوشك أن يتزوج أو له صديقة أو أكثر .
إن هذا الموظف فنان لا في الموسيقى و حسب بل في حقول أخرى كثيرة أيضا . أما في الأعمال التي ينجح فيها أكثر من سواها فتتناول الطب و القضاء و التأليف و النشر و المسرح و السياسة و التموين و الديكور و الزراعة و الدين , و مهما يكن نوع عمله لا يستطيع تأديته على أكمل وجه إلا إذا أمن لنفسه الهدوء و السكينة بعيدا عن كل ما يشكل في نظره ضغطا أو ملاحقة . على هذا الأساس يكون فعلا رسول خير و محبة .
لقد شبه زملاء العمل رجل برج الميزان أكثر من مرة بالجهاز المكيف للهواء . كلاهما يؤمن أفضل مناخ للإنتاج الجيد مع فارق بسيط هو أن أحدهما يبقى جامدا لا حراك فيه بينما الثاني يفيض بالحركة و الكلام و الابتسامة الساحرة خاصة .