عقد الشيطان و فكها كما في السنة و الكتاب
إن الحمد لله نحمده و نستعينه و نستغفره, و نعوذ بالله من شرور أنفسنا و من سيئات أعمالنا , من يهده الله فلا مضلّ له و من يضلل فلا هادي له , و اشهد أن لا اله الاّ الله وحده لا شريك له و اشهد أن محمدا" عبده و رسوله.
(يايها الّذين آمنوا اتّقوا اللّه حقّ تقاته و لا تموتنّ الاّ و انتم مسلمون)
(يايها النّاس اتّقوا ربّكم الذي خلقكم من نفس واحدة و خلق منها زوجها و بثّ منهما رجالا" كثيرا" و نساء" و اتّقوا الله الذي تتساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا")
(يايها الذين آمنوا اتّقوا الله و قولوا قولا" سديدا", يصلح لكم أعمالكم و يغفر لكم ذنوبكم و من يطع الله و رسوله فقد فاز فوزا" عظيما")
أما بعد:
فانّ اصدق الحديث كتاب الله و احسن الهدي هدي محمد و شرّ الأمور محدثاتها و كل محدثة بدعة , و كل بدعة ضلالة , و كل ضلالة في النّار.
و بعد:
فعن ابي هريرة رضي الله و ارضاه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم:
(يعقد الشيطان على قافية رأس احدكم اذا هو نام ثلاث عقد, يضرب على كل عقدة مكانها: عليك ليل طويل فارقد: فان اسيقظ و ذكر الله تعالى انحلّت عقدة فان توضأ انحلت عقدة فان صلى انحلت عقده كلها فأصبح نشيطا طيب النفس و الا أصبح خبيث النفس كسلان)
هذا الحديث مما اتفق الشيخان على تخريجه من نفس الراوي و لا يخفى مكانة الشيخان عندما يتفقان على حديث ما و يخرجانه في صحيحيهما مع حرص البخاري على شرطه الشديد....
و للمتأمل في هذا الحديث العظيم ليجده يعلاج مرضا روحيّا معنويّا جسديّا في عصر كثُرت فيه الامراض المستعصية....
كما انه يبين مدى ارتباط القلب بالجوارح و تأثّره به تأثيرا" ايجابيا و هذا كثير في كلام نبينا صلى الله عليه و سلم كقوله(سوّوا صفوفكم او ليخالفنّ الله بين قلوبكم ( وغيرها ...فصلاح الظاهر مرتبط بصلاح الباطن و العكس صحيح...
فمن كانت مضغته صالحة فصلاحها يتعدى الى الجوارح و الاّ فاسدة مهما سوّغت نفس صاحبها و تمنّت عليه الامانيّ....
(الا ان في الجسد مضغة اذا صلحت صلح سائر الجسد و اذا فسدت فسد سائر الجسد الا و هي القلب( الحديث
كما انه يعالج جانبا هاما مما يلزم الاعتقاد به و الانقياد له الا و هو) ان الذين آمنوا( لا ينفك عنها بحال من الاحول(و عملوا الصالحات( فلا ايمان من دون عمل كما انه لا عمل من دون ايمان....
و للحديث مزايا اخرى لا تقل شأنا مما ذكرنا بعضا منها و هذا و ذاك سوف و بعون الله تعالى نمر عليه مرور الكرام و ربما احتجنا راحة للمسافر لتفنيد شبهات العوام نسأل الله تعالى التوفيق و السداد و المزيد من العلم و الرشاد انه ولي ذلك سبحانه صاحب الكمال و صفاته حسنى و جمال فعلم لم يسبقه جهل و لن يلحقه نسيان و ما عدا ذلك فهو علم الانسان....
مدخل:
(يعقد) و هذا ديدن الشيطان اللعين و عقده هنا يشابه عقده هناك في سورة الفلق) من شر نفاثات في العقد( و نفثه هنا(فارقد عليك ليل طويل ( تعمل عمل نفثه هناك فتأمل...
و لصعوبة المقام لم يعدل صلوات ربي و سلامه عليه عن العقد بغيرها من الالفاظ....
و بيد ان هناك عقدا يعني انه هناك حلّا" لها و من رحمة ديننا الحنيف دين ارحم الراحمين ) ان الدين عند الله الاسلام ( و دين افضل العالمين (و ارسلناك رحمة للعالمين ( فكان حل هذه العقد من ضمن التليغ( بلّغ ما انزل اليك من ربك و ان لم تفعل فما بلغت رسالته) فسبحان الخالق في الاولين و الآخرين...
و قافية كل شيء آخره و منه قيل قافية الشعر و هنا قافية الرأس اي مؤخره ....قاله ابن منظور بتصرف...
و قافية رأس احدى مواضع تجمع الدّم الفاسد و لذا كانت من مواضع الحجامة الشافية باذن الله تعالى...
و يدل هذا الحديث على حرص اللعين للحيلولة دون وقوع ما يقرّب الى الله تعالى من عمل صالح و لهذا السبب اعمل يديه الملونتين في ابرام مثل هذه العقد ....
و نزوله عند رغبته التي منحه الله ايّاها و لحِكَمٍ عديدة ) قال فبما اغويتني لأقعدنّ لهم صراطك المستقيم) الاعراف 16
و قال ) قال ربي بما اغويتني لأزيننّ لهم في الارض و لأغوينّهم أجمعين)(الا عبادك منهم المخلصين) و هذا من عجزه) قال هذا صراط عليّ مستقيم)(ان عبادي ليس لك عليهم سلطان الا من اتبعك من الغاوين( الحجر 39-42
و حيث كان قيام الليل مما يقضّ مضجع الشرّ و اهله و على رأسهم ابليس اللعين فكان حريّ به ان يضع على الطريق بعض العوائق و السدود و منها عقده الثلاث....
فلا ) اذا هو اسيقظ ( و لا ) اذا هو نام ( تنساه عيون الغاوين ففي النهار الوساوس تعمل عملها و تثمر ثمارا كالهشيم المحتضر فهي اشبه بثمار العصف المأكول...
و اذا اراد هذه الانسان ان ينام و يرتاح من عناء كدّ النهار و قسوته ذهب اللعين ليعقد ما شاء له ان يعقد من العقد ليجعل نومه لا طاعة فيه....
و كان من ديننا الحنيف ذكر كل ما يقرّب الى الجنة و الحثّ عليه و بالمقابل ذكر كل ما يقرّب الى النار و النهي عنه و من هذه و تلك سبل فك العقد و حلّها....
ثم قوله صلى الله عليه و سلم(احدكم ( تشير ان اتباعه هم المرادون لا غير....
فابليس لم يتعهد بالجلوس الا على الطريق المستقيم حيث اتباع محمد صلى الله عليه و سلم يسلكونه في غدوتهم و روحتهم ذهابا وايابا....
اذا هذه العقد لا تنفك عن احد شهد للخالق بربوبيته و عبوديته و لرسوله صلى الله عليه و سلم بالنقياد و التسليم...
فمن تبع المبعوث رحمة للعالمين و تخلّق بسننه وآدابه له تبعية الاتّباع و حظه من هذه العقد لا محالة الا رجلا ذكر الله كثيرا فامتنّ الله عليه و رفع ذكره اليه فاجابه و اصبح من عباده المخلصين حيث لا سبيل للشيطان اليه...
يتحقق هذا في حديث ابن عباس رضي الله عنهما ان النبي صلى الله عليه و سلم قال:
(من عجز منكم عن الليل ان يكابده....فليكثر ذكر الله) صحيح الترغيب و الترهيب
و الا فيلزمه حلّ هذه العقد وفق ما جاء عن لسان المصطفى صلوات ربي و سلامه عليه على الترييب التالي:
التوقيع