الجدول
يعرف المعجم الوسيط الطلسم بأنه خطوط واعداد يزعم كاتبها انه يربط بها روحانيات الكواكب العلوية لطبائع السفلية لجلب او دفع اذى وهو لفظ يوناني لنعت كل ما هو غامض ومبهم كالألغاز والاحاجي وحسب ابن خلدون فإنه اذا كان السحر هو اتحاد روح بروح، ولا يحتاج الساحر فيه الى معين فإن الطلسمات يحتاج فيها الساحر الى معين فيستعين بروحانيات الكواكب واسرار الاعداد وخواص الموجودات واوضاع الفلك المؤثرة في عالم العناصر ولذلك فإن الطلسمات اتحاد روح بجسم اي ربط للطبائع السماوية (التي هي روحانيات الكواكب) بالطبائع السفلية.
ويعني ذلك ان الطلاسم (او الطلسمات) ليست شيئا آخر سوى الجداول (بالتعبير المغربي الدارج الذي ينطق الكلمة بجيم ساكنة مع تشديدها) ان صناعة الجداول تخصص لا يتقنه سوى نخبة الفقهاء السحرة الذين اكتسبوا معرفة دقيقة بأكثر «علوم السحر» تعقيدا ولأجل ذلك يطلبون مقابل عملهم تعويضات من الزبائن تكون قيمتها المالية كبيرة.
واهم العناصر التي صنع منها الجداول هي: حروف غير مفهومة مثل السبع خواتم، (معروفة بخاتم سليمان) حروف ابجدية، ارقام، اسماء هجرية، اسماء عناصر، اسماء الشياطين وملوك الجن والملائكة، اسماء الله الحسنى، سور من القرآن، اشكال هندسية مختلفة.
وتسمى الجداول كذلك في لغة السحرة «خواتم» او حسب شكلها الهندسي مربع مخمس وهي من التنوع والغرابة بشكل يرعب العامة او على الاقل احترامها للعمل السحري ومن مطالعتنا لبعض كتب السحر التي تحفل بالكثير من النماذج نستخلص ان الجدول الواحد يصلح لقضاء اكثر من غرض واحد وطريقة الاستعمال وحدها تحدد النتيجة التي حصل عليها المستفيد من العملية ونظرا لأن تلك الرسوم التخطيطية الغامضة تبدو متضمنة لخاصية سحرية (كل ما هو غامض هو سحري) فإن مؤلفي مصنفات السحر الاساسية بالغوا في حشو بعض الجداول بكل ما هو غريب وغامض من الرموز بيد ان اكثر اشكال الجداول خطورة (من وجهة نظر المعتقدات السحرية) واثارة لرعب العامة هي تلك المسماة «الجدولية»,والجدولية هي رقعة ورق وضعت عليها كتابات سحرية يتم اعدادها غالبا بدافع الغيرة وبغاية الانتقام الاسود من غريم او عدو وهذه العملية السحرية تستدعي القوى الخفية على رجل او امرأة من قبل فقيه ساحر يتعاهد من جني لإشراكه في العملية بحيث يصبح الجني حارسا للجدول السحري وضامنا لاستمرار مفعوله طالما بقي المستهدف بالعمل السحري حيا, ويمكن تلخيص العملية فيما يلي: «بعد ان يعد الساحر الجدولية» يقيم عهدا مكتوبا مع جني بأن يحرسها ثم يقوم بدفن كل من الجدولية والعهد المكتوب في الروضة المنسية باتباع طقس معقد جدا والروضة المنسية في فهم المغاربة هي المقبرة المهجورة التي كفت منذ امد بعيد عن استقبال موتى جدد وانمحت الكتابات من شواهد قبورها»,
ان الاثر السحري الذي يترتب عن هذا العمل المرعب يتحدد في جعل المستهدف منه يصبح غائبا عن محيطه وبتعبير المختصين في صرع الجن فإن ضحية الجدولية تصبح «ملبوسة من طرف الجن» وهي اخطر انواع الاصابات التي يلحقها الجن بالبشر وربما نجد في الامر بعض التشابه مع المضمون الغرائبي لحكايات الف ليلة وليلة التي اثرت بعمق في المتخيل الشعبي العربي وتركت بصمات واضحة المعالم في فلكلورنا الوطني وعلى الخصوص منها حكايات الجن الذي يظل مسجونا في قمقم او حارسا يحمي كنزا لعدة قرون,وفي زعم السحرة ان الجني الذي يحرس الجدولية يصبح متقمصا (لابسا) للضحية حتى لا تستطيع اية قوة سحرية اخرى ابطال مفعوله وفي محكمة الجن الكبرى في بويا عمر يحدث ان ينهار الحارس للجدولية اثناء حصص «الصريع» فيفيد هيئة المحكمة الغيبية بمصدر الشر الذي يحرسه واسم صاحب الجدول السحري والفقيه الذي صنعه وفي بعض الاحيان حتى المكان الذي دفن فيه الجدول والعهد, ولا يقتصر استعمال الجداول على الاغراض الملحقة للأذى بالغير فقط، بل يستعمل لأغراض نافعة ايضا, ومنها علاج لسعات الحيوانات السامة، والكلاب المصاب بالسعار، ولأجل ذلك ينقع الورق الذي كتبت عليه عبارات سحرية سرية في ماء، ثم يقدم شرابا للمريض، كما تعلق بعض الجداول الاخرى بغاية علاج امراض خطيرة، كحمى المستنقعات وأمراض القلب، وآلام الاعصاب والعقم، وغيرها,,.