اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرج قائم آلمحمد
إن منا لممكن تعريف قسوة القلب بشكل عام، بأنها حالة من الجمود العاطفي،وفقدانالتفاعل مع حدث أو موقف معين، وقد تختلف شدة التأثر وردة الفعل، تجاه حدث معينباختلاف العقيدة والبيئة ووجهات النظر.. ولكن ما يعنيناهنا،هو إيجاد العلاج للقسوة، فيما يتعلق بالعلاقة مع الله تعالى،والتفاعل مع العبادات المختلفة، وكذلك عند زيارة المشاهد الشريفة لأولياء الله تعالى، وتذكر مصائبهم (ع).
وعلى النقيض من القسوة تأتي الرقة، وتعني لين القلبوالتفاعل العاطفي مع الموقف.. وهذا ما نرمي إليه في هذا البحث عنطريق إيجاد وسائل،لأجل إحلال الرقة محل القسوة في قلوبنا إن شاءالله.
أسباب قٌسوة القلب:
فيما يلي عدد منالأسباب،التي تجعل الإنسان قاسي القلب: فلايخشع فيصلاته، ولا
يرق قلبه ويلين في كثير من المواضع،التي تتطلب اللين والخشوع.. وهذه الأسباب مستوحاة من كتاب الله والسنة المطهرة:
· البعد عن الله،وعدم استحضار الوجودالمطلق في حياة الإنسان، وعدم ذكره تعالى على كل حال.. ممايسبب قسوة القلب عند الإنسان،دون أن يشعر بذلك، فإذا ذُكر الله عنده،وقُرئ القرآن،ازدادت قسوته بدلا من أن يتفاعل ويخشع.. وقد ورد عن المسيح (ع) أنه قال -ما مضمونه-: (لا تكثروا الكلام في غير ذكر الله، فإن الذين يكثرون الكلام في غير ذكر الله،قاسية قلوبهم، ولكن لايعلمون).
· كثرة الذنوب والمعاصي، واتباع وساوس الشيطان، مما يسب بظلمة في النفس،وقسوة في القلب {فبما نقضهم ميثاقهم لعناهم وجعلناقلوبهم قاسية يحرفون الكلم عن مواضعه ونسوا حظا مما ذكروا به}.. إن تتابع الذنوب وكثرتها، تجعل النفوس مرتعا للشيطان، ويبعدها عن رحمة الله عز وجل (فتلك قلوبقاسية، ونفوس طاغية، وأجسام محشوة بسخط الله ولعنة الرسول، قد عشش فيها الشيطان وفرخ).
· إن البعد عن الله، وارتكاب المعاصي، واتباع الهوى، يتسببفي إنزال العقاب الإلهي،المتمثل في إغفال القلب: أياقسائه {ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه} {بل طبع اللهعليها بكفرهم}.. وهذا من أشد العقوبات على الإنسان، حين يطرده اللهمن رحمته، فيقسو قلبه، ويلقى الخزي والعذاب في الدنيا والآخرة.
· آفةالعجب والشعور بالكمال -الزائف- الذي هو من أقبح الوسائل والحيل النفسية، التي يوسوس بها الشيطان للناس بشكل عام، و للمؤمنين بشكل خاص، ليبعدهم عن طريق الهدى،وليتوهموا أنهم يقومون بالأعمال العبادية على أكمل وجه.. وبذا يضعف هاجس الخوف عندهم،من عدم قبول تلك الأعمال.. وبالتالي يفقدونالتفاعل معها.
· كثرة المشاغل والهموم الدنيوية، وعدم الاهتمام والانشغال بما بعد الموت، مما يسبب الغفلة والقسوة عند الإنسان (فالقلوب قاسية، عن حظهالاهية، عن رشدها سالكة في غير مضمارها، كأن المعني سواها، وكأن الرشد في أحرازدنياها).
· عدم التعود على إظهار الرحمة،والرقة،والخضوع.. وربما للتربية والمحيط الذي يعيش فيه الإنسان،أثر كبير فيذلك.
كيف نعالج قسوة القلب؟.؟.
بعد أن استعرضنا الأسباب التي تؤدي إلى قسوة القلب عند الإنسان، سنحاول إيجاد العلاج المناسب لهذه الحالة،اعتمادا
على القرآن الكريم والسنة الشريفة، وذلك ضمن النقاطالتالية:
· كثرةالتقرب إلى الله تعالى، فكلما تقرب الإنسان إلى الله أكثر،اقترب من مصدر الخير والرحمة، حيث يشمله الله بعنايته،ويفيض عليه من خيره (عبدي تقدم إلي خطوة، أتقدم اليك خطوتين)، وبذا يهديه الله، ويختاره لدينه، ويوفقه للعبادة والخشوع {وممنهدينا واجتبينا إذا تتلى عليهم آيات الرحمن خروا سجدا وبكيا}.
ذكر الله تعالى في الشدة والرخاء،وفي كل وقت.. سواء عند أداءالعبادات الواجبة، أو عند القيام بالأعمال
· الحياتية المختلفة، وذلك بالنية الخالصة،بأن تكون تلك الأعمال كلها لله تعالى، ولا نكون من الذين تحول قسوة قلوبهم دون التضرع إلى الله تعالى.. فيتعرضوا لسخطه تعالى وعذابه {فلولا إذ جاءهم بأسنا تضرعوا ولكن قست قلوبهموزين لهم الشيطان ما كانوا يعملون}.. ومن أهم أنواع الذكر قراءة القرآن،الذي جعله الله عبرة لمن يرق قلبه، ويتأثر بالانذار{ما أنزلناعليك القرآن لتشقى إلا تذكرة لمن يخشى}.
· الدعاء والإلحاح على الله تعالى في أن يهبنا رقة في القلب، ويشرح صدرنا للدين القويم {أفمن شرح الله صدره للإسلام فهو على نور من ربه فويل للقاسية قلوبهممن ذكر الله أولئك في ضلال مبين}..
كذلك ندعوه جل شأنه أن يرزقنا رحمة وتحننا، كما وهبها لأنبيائه عليهم السلام: كنبي الله نوح (ع)، الذي دعا لولده وأهلهرغم عصيانهم.. وكذلك يحيى (ع)، الذي وهبه الله حنانا ورقة قلب، بفضل أعماله الصالحةالزاكية، وبره بوالديه، وعدم تكبره وتطاوله على الذات المقدسة{وحنانا من لدنا وزكاة وكان تقيا * وبرا بوالديه ولم يكن جبارا عصيا}.· عدم الانشغال التامب الأمور الدنيوية، بل ينبغي القيام بها دون إفراط أو تفريط.. وكذلك تعويد النفس على الصبرعلى الملاذ.. قال الإمام الصادق (ع): (طلبت رقة القلب فوجدتها في الجوع والعطش).
· التركيز عند أداء العبادات، واستحضار الخوف من الله تعالى عند المثول بين يديه،ومحاولة إيجاد وسائل تعيننا على التركيز، كتغيير السورة القرآنية عند أداء الصلاة مثلا، وإتيان التعقيبات، وأداء النوافل، والصيام المستحب، وغيرها من الأعمال ألاختيارية التي تقرب الإنسان إلى الله أكثر، وتشعره بلذة القرب والمناجاة، وتزيدمن خشوعه وخضوعه لله تعالى.
· تعويد النفس على الرحمة والترحم -أي إظهارالرحمة- وذلك من خلال التعامل اليومي مع الناس، وخصوصا الرحمة بالوالدين والأولاد،لما لذلك من الفضل عند الله، فالإنسان إذا رحم إنسانا حصلت عنده رقة، فإذا توالتتلك الرحمة فإنها تصير كالملكة.. ورد في دعاء الصباح عن أمبر المؤمنين (ع): (وافتح اللهم لنا مصاريع الصباح بمفاتيح الرحمةوالفلاح).. ومفاتيح الرحمة هي رقة في القلب، تقتضي الإحسانإلى الناس.
· تذكر الموت والحشر والحساب، يحدث عند الإنسان اللينوالخشوع، ويوجب رقة القلب
(كفى بالموت واعظا).
نستخلص مما سبق: أن البعد عن الله، وكثرة الذنوبوالمعاصي، هي من أشد موجبات قسوة القلب.. وأن ذكر الله تعالى، والتقرب إليهبالأعمال الصالحة، يوجب رقة القلب واللين والخشوع، وهذا يتطلب توفيقا من اللهتعالى، لمن
أخلص النية وعزم على التوبة.
ختاما لندعو بالدعاء الوارد عن رسول الله (ص): (اللهم يا خير من سئل!!.. ويا أجود من أعطى!!.. حوّلنا مما نكره إلى ما تحبوترضى، وإن كانت القلوب قاسية، وإن كانت الأعين جامدة، وإن كنا أولى بالعذاب، فأنتأولى بالمغفرة) وصلى الله على محمد وآلمحمد