بسم الله الرحمن الرحيم
إلى كل قلبٍ نقيٍ ونفسٍ صافيةٍ اطمأنت بذكر الله وقنعت برزقه ورضيت بقضائه وصبرت على ابتلائه وحمدته على أنعمه وانشرحت بحبه وحب رسوله صلى الله عليه وسلم
إلى كل مؤمن سليم الصدر طاهر النفس لين الجانب طيب العشرة إليكم أهدي هذه الرسالة لتكون لكم عونا في توثيق الإيمان وتوكيد الصلة بالله تعالى ولتعلموا أنكم مؤمنون حقا يحبكم الله ورسوله . ترجون رحمته وتخافون عذابه وتحبون عباده وتطبقون شرعه ومنهاجه فاثبتوا فإنكم على الحق وفقكم الله لطاعته وأيدكم بتوفيقه وأدخلكم في رحمته وعمكم بعفوه ومغفرته
إلى كل نفس تلوم صاحبها على ترك الخيرات وفعل المنكرات فيندم على ما فعل ويتوب إلى الله توبة نصوحا تخلصه من ذنوبه وتقربه إلى الله بصالح الحسنات فتأمره بالمعروف وتنهاه عن المنكر
وإلي كل نفس خبيثة أمارة بالسوء تأمر صاحبها بفعل السيئات وترك الحسنات وتسقطه في مستنقع الرذيلة وجب المعصية وتسيطر عليه أهواؤه وتغلبه شهواته فيكون عونا للشيطان على نفسه وعلى الآخرين ويكون سببا في هلاك نفسه وهلاكهم إليك أهدي هذه الرسالة محاولا مساعدتك في التعرف على أمراض نفسك فتقف عليها وتحاول أن تجد لها العلاج ولا يكون العلاج إلا بالتقرب إلى الله والإيمان به وبرسوله المصطفى صلى الله عليه وسلم
أما بعد
فإن الله سبحانه وتعالى هو خالق النفس وملهمها التقوى والفجور فمن اختار طاعة الله سبحانه وتعالى وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم عما سواهما فقد زكى نفسه وطهرها من الأخلاق الدنيئة والرذائل ومن زكى نفسه فقد أفلح في الدنيا والآخرة فتكون نفسه راضية في الدنيا ومطمئنة عند الموت ومرضية في الآخرة فقد قال الله تعالى (يا أيتها النفس المطمئنة * ارجعي إلى ربك راضية مرضية * فادخلي في عبادي * وادخلي جنتي) الفجر 27:29
وأما من اختار لنفسه الفجور وذلك بمعصية الله ورسوله فقد خاب ودسَّ نفسه أي أهلكها وخسر دنياه و آخرته فقد قال تعالى " ونفس وما سواها * فألهمها فجورها وتقواها * قد أفلح من زكاها * وقد خاب من دساها" الشمس 7:10
وقد كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ اللَّهُمَّ آتِ نَفْسِي تَقْوَاهَا وَزَكِّهَا أَنْتَ خَيْرُ مَنْ زَكَّاهَا أَنْتَ وَلِيُّهَا وَمَوْلَاهَا مسلم وصححه الألباني 1286في الصحيحة
ولكن ما أنواع النفس ؟
مما سبق نخلص إلى أن النفس إما أن تكون مطمئنة أو لوامة أو أمارة بالسوء وإما أن تكون راضية أو مرضية وهي ملهمة إما بالخير أو بالشر و قد تكون نفس الإنسان متغيرة على مدار اليوم الواحد فالإيمان يزيد وينقص ولكن نفس المؤمن دائما ملهمة بالخير فيعمل صالحا ولكن قد ينساق إلى هوى نفسه فتأمره بالسوء ثم بعد ذلك يتذكر إيمانه بالله سبحانه وتعالى فتلومه نفسه على ما فعل فيتوب إلى الله ويندم على ما فعل وتطمئن نفسه مرة أخرى بذكر الله تعالى . وإليكم أنواع النفس
أولا – النفس المطمئنة
وهي النفس التي تداوم على فعل الطاعات وترك المنكرات وتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر وهي دائما ملهمة بالخير
النفس المطمئنة لا تأمر صاحبها إلا بالخير دائما ولا تحمل شيئا من أمراض القلوب من حقد أو حسد أو غل أو نفاق بل تجد صاحبها نقي السريرة منشرح الصدر سليم القلب طاهر البدن يحب الخير لكل الناس فإذا رأى بأحد نعمة لا يتمنى زوالها منه بل يدعو الله أن يزيده من فضلة ويبارك له فيها
أدبت نفسي فما وجدت لها من بعد تقوى الإله من أدب
إن كان من فضة كلامك يا نفس فإن السكوت من ذهب
ثانيا – النفس اللوامة
وقد أقسم الله تعالى بها وذلك في قوله" لا أقسم بيوم القيامة ولا أقسم بالنفس اللوامة" قال الحسن: هي والله نفس المؤمن، ما يرى المؤمن الا يلوم نفسه قائلا: ما اردت بكلامي؟ ما اردت بأكلي؟ ما اردت بحديث نفسي؟ والفاجر لا يحاسب نفسه. و قال مجاهد هي التي تلوم على ما فات وتندم، فتلوم نفسها على الشر لم فعلته، وعلى الخير لم لا تستكثر منه. تفسير القرطبي جزء 18 سورة القيامة
رأيت الذنوب تميت القلوبَ ويورث الذلَ إدمانُها
وتركُ الذنوبِ حياةُ القلوبِ وخيرٌ لنفسك عصيانُها
ثالثا – النفس الأمارة بالسوء
وهي النفس الخبيثة التي تشتهي فعل الشر دائما ولا تأمر صاحبها إلا بمعصية فتأمره بفعل كل ما هو سيئ وترك كل ما هو حسن وتأمره بالمنكر وتنهاه عن المعروف وتأمره أيضا بمعصية الخالق وظلم المخلوق فتجد نفسه مملوءة بكل أمراض القلوب من حقد وحسد وغل ونفاق وبغض وتجدها تحمل كل ما هو نجس وسيئ من الأخلاق المذمومة وهي نفس المنافق والكافر والمشرك وقد ورد ذكرها في كتاب الله في قوله تعالى وما أبرئ نفسي إن النفس لأمارة بالسوء إلا ما رحم ربي إن ربي غفور رحيم" يوسف 53
ويوم القيامة لا ينجومن النار ولا يدخل الجنة إلا من أتي الله بقلب سليم . سليم من الشرك والنفاق وغيرهما من الخبائث كما قال تعالى (يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ) الشعراء :89 وفي الخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " ما تقولون في صاحب لكم إن أنتم أكرمتموه وأطعمتموه وكسوتموه أفضى بكم إلى شر غاية وإن أهنتموه وأعريتموه وأجعتموه أفضى بكم إلى خير غاية قالوا: يا رسول الله! هذا شر صاحب في الأرض. قال: فوالذي نفسي بيده إنها لنفوسكم التي بين جنوبكم قرطبي تفسير القرطبي جزء9 سورة يوسف
أشكو إلى الله نفساً ما تلائمني تبغي هلاكي ولا آلو أناجيها
ما إن تزال تناجيني بمعصية فيها الهلاك وإني لا أواتيها
أخيفها بوعيد الله مجتهداً وليس تنفك يلهيها ترجيها
وقد يسأل سائل كيف أعرف أن نفسي مطمئنة أو لوامة أو أمارة بالسوء ؟ أو بمعنى آخر ما صفات كل نفس ؟
إذا كان لديك يقينا دائما أن الله معك ولا يخزيك أبدا وأن الله لا يأمر أو يقضي إلا بما هو في صالحك اطمأنت نفسك وتغلبت على صراعات نفسك فاللنفس صراعات بين فعل الخير وارتكاب المعصية فإذا غلبت فعل الخير على الشر كنت من أصحاب النفس المطمئنة وإذا غلبت فعل الشر على الخير في كل أحوالك كنت من أصحاب النفس الأمارة بالسوء وأما إذا غلبت الخيرتارة ولكن قد تضطرك نفسك إلى ارتكاب بعض المعاصي تارة أخرى ولامتك نفسك على فعلها فعدت إلى فعل الخير مرة أخرى كنت من أصحاب النفس اللوامة وإليك بعض صفات هذه الأنفس