أمراض القلوب
الأمراض نوعان : بدني ونفسي أو قلبي
و مرض البدن خلال صحته وصلاحه وهو فساد يكون فيه يفسد به إدراكه وحركته الطبيعية فإدراكه إما أن يذهب كالعمى والصمم وأما فساد حركته الطبيعية فمثل أن تضعف قوته عن الهضم أو مثل أن يبغض الأغذية التي يحتاج إليها ويحب الأشياء التي تضره ويحصل له من الآلام بحسب ذلك ولكن مع ذلك المرض لم يمت ولم يهلك بل فيه نوع قوة على إدراك الحركة الإرادية في الجملة فيتولد من ذلك ألم يحصل في البدن فيداوى ( ابن تيميه : أمراض القلوب )
وكذلك مرض القلب هو نوع فساد يحصل له يفسد به تصوره وإرادته فتصوره بالشبهات التي تعرض له حتى لا يرى الحق أو يراه على خلاف ما هو عليه وإرادته بحيث يبغض الحق النافع ويحب الباطل الضار فلهذا يفسر المرض تارة بالشك والريب كما فسر مجاهد وقتادة قوله تعالى ( في قلوبهم مرض ) أي شك وتارة يفسره بشهوة الزنا كما فسر به قوله ( فيطمع الذي في قلبه مرض) ( ابن تيميه أمراض القلوب)
والمرض النفسي هو حدوث اضطرابات وصراعات نفسية وقلبية تجعل الإنسان يشعر بعدم الطمأنينة ينتج عنها أفعال خارجية تضر به وبمن حوله سواء كان عن قصد أو غير قصد
وقد وصف الله سبحانه وتعالى القلب الذي يحمل صفات من شأنها أن توجد الشحناء والبغضاء بين الناس بالمرض فهذه نفوس مريضة عظيمة الداء وذلك في قوله تعالي" في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضا" البقرة :10 وقوله تعالى "وأما الذين في قلوبهم مرض فزادتهم رجسا إلى رجسهم" التوبة 125
الطمع من أمراض القلوب
والطمع : عكس القناعة وهو عدم الرضا بقسمة الله تعالى والرغبة في الحصول على ما في يد الآخرين دون بذل أي مجهود من ناحيته فالإنسان مريض القلب والنفس يشتهي النعمة التي في يد أخيه مع العلم أن في يده مثلها ولكنه الطمع فيطمع الإنسان في شيء ليس فيه مطمع ويشعر دائما أنه في احتياج لهذا الشيء وهو ليس من حقه كما قال رسول الله : استعيذوا بالله من طمع يهدي إلى طبع و من طمع غير مطمع حين لا مطمع . هذا حديث مستقيم الإسناد و لم يخرجاه . الحاكم وضعفه الألباني 815
ولماذا الطمع ؟ وقد حذرنا رسول الله منه عندما جاءه رجل وقال له أوصني يا رسول الله فقال : عليك باليأس مما في أيدي الناس ، و إياك و الطمع فإنه الفقر الحاضر ، و صل صلاتك و أنت مودع و إياك و ما تعتذر منه رواه الحاكم وهذا حديث صحيح الإسناد و لم يخرجاه . وضعفه الألباني3739
لا تخضعن لمخلوق على طمع فإن ذاك مضر منك بالدين
واسترزق الله مما في خزائنه فإنما هي بين الكاف والنون
وقد يسأل سائل هل الطمع مرض نفسي و قلبي ؟
سوف يجيبك رحمة الله للعالمين حيث أنه كان يتعوذ صلى الله عليه وسلم من النفس التي لا تشبع في الحديث الذي رواه عَبدُ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ قَلْبٍ لَا يَخْشَعُ وَمِنْ دُعَاءٍ لَا يُسْمَعُ وَمِنْ نَفْسٍ لَا تَشْبَعُ وَمِنْ عِلْمٍ لَا ينفع الترمذي تحقيق الألباني ( صحيح ) انظر حديث رقم : 1297 في صحيح الجامع .
فالنفس التي لا تشبع هي بالطبع مريضه يجب علاجها وتزكيتها حتى تهدأ وترضى برزق الله وقضائه وقد ذكر الله جل وعلا في كتابه العزيز أن الطمع مرض قلبي فقد قال تعالى( يا نساء النبي لستن كأحد من النساء إن اتقيتن فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض وقلن قولا معروفا) الأحزاب 32
لا يملأ نفس ابن آدم إلا التراب
والإنسان الذي يطمع لا يملأ نفسه إلا التراب والمخزي حقا أنك تجد الإنسان ميسور الحال وقد رزقه الله من حيث لا يحتسب ومع ذلك لا يقنع وتجده متلهفا للمزيد وقد أخبر عن ذلك من لا ينطق عن الهوى كما في الحديث عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَوْ أَنَّ لِابْنِ آدَمَ وَادِيَيْنِ مِنْ مَالٍ لَأَحَبَّ أَنْ يَكُونَ مَعَهُمَا ثَالِثٌ وَلَا يَمْلَأُ نَفْسَهُ إِلَّا التُّرَابُ وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلَى مَنْ تَابَ ابن ماجه تحقيق الألباني ( صحيح ) انظر حديث رقم : 1781 في صحيح الجامع .
الحرص لؤم ومثله الطمع ما اجتمع الحرص قط والورع
من ألف الحرص لم يزل جشعا وجشع النفس ما له شبع
ولكن هل يجوز الطمع في بعض الحالات ؟
ذكرنا أنه يجوز عدم القناعة في الاستكثار من أعمال البر والخير بل يجوز الطمع في بعض الحالات فقد نهانا صلى الله عليه وسلم من الطمع في غير مطمع إذن هناك أشياء لا يجب فيها الطمع وأشياء يجوز فيها الطمع وهو ما يطلق عليه التمني المحمود
1 – الطمع فيما عند الله تعالى
وهو أن تطمع في الزيادة من فضل الله وفي رحمته قال تعالى (هو الذي يريكم البرق خوفا وطمعا وينشئ السحاب الثقال)الرعد 12 أي خوفا من عقابه وطمعا في فضله ورحمته وقال أيضا (إنا نطمع أن يغفر لنا ربنا خطايانا أن كنا أول المؤمنين) الشعراء 51ومعنى الطمع في الآيتين الرجاء أي أننا نرجوا من الله عز وجل أن يغفر لنا ذنوبنا ويعمنا بفضله ويرحمنا من عقابه
ويتضح هذا المعنى من قول الرسول صلى الله عليه وسلم (إني لأطمع أن تكونوا ربع أهل الجنة فكبرنا وحمدنا الله ، ثم قال إني لأطمع أن تكونوا ثلث أهل الجنة ، فكبرنا وحمدنا الله ، ثم قال : إني لأطمع أن تكونوا نصف أهل الجنة ، إنما مثلكم في الناس كمثل الشعرة البيضاء في الثور الأسود ، أو كمثل الشعرة السوداء في الثور الأبيض ". رواه الطبري تحقيق الألباني ( صحيح ) انظر حديث رقم : 89 في صحيح الجامع . وفي رواية ( إني لأرجو )
سئل إبراهيم بن أدهم بما يتم الورع قال بتسوية جميع الخلق في قلبك والاشتغال عن عيوبهم بذنبك وعليك باللفظ الجميل من قلب ذليل لرب جليل فكر في ذنبك وتب إلى ربك ليثبت الورع في قلبك واحسم الطمع إلا من ربك
ولكن هل الطمع يؤدي إلى التواكل ؟
الطمع في رحمة الله وفي فضله يسبقه ويصاحبه إيمان وعمل حتى لا يكون ذلك تواكلا فتسبقه النية الخالصة ويصاحبه العمل الصادق وذلك لقول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "لَوْ يَعْلَمُ الْمُؤْمِنُ مَا عِنْدَ اللَّهِ مِنْ الْعُقُوبَةِ مَا طَمِعَ بِجَنَّتِهِ أَحَدٌ وَلَوْ يَعْلَمُ الْكَافِرُ مَا عِنْدَ اللَّهِ مِنْ الرَّحْمَةِ مَا قَنَطَ مِنْ جَنَّتِهِ أَحَدٌ" صحيح رواه مسلم والمقصود من ذلك أن تتقرب إلى الله تعالى بأفضل الأعمال لينشر لك من رحمته وينعم عليك بفضله ومعنى الطمع في الحديث حسن الظن بالله بعد أداء ما أمر به واجتناب ما نهى عنه كما قال تعالى" أيطمع كل امرئ منهم أن يدخل جنة نعيم" المعارج وهو تعجب من الكافرين الذين يرفضون عبادة الله سبحانه وتعالى ويطمعون في جناته
وقال تعالى "ثم يطمع أن أزيد" المدثر أي بعد ما أنعمت عليه بالنعم الكثيرة وكفر بها يطمع أن أزيدها له
وانظر إلى قول هذا الرجل يوم القيامة في الحديث الذي يرويه عبدُ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِنَّ آخِرَ مَنْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ رَجُلٌ يَمْشِي عَلَى الصِّرَاطِ فَيَنْكَبُّ مَرَّةً وَيَمْشِي مَرَّةً وَتَسْفَعُهُ النَّارُ مَرَّةً فَإِذَا جَاوَزَ الصِّرَاطَ الْتَفَتَ إِلَيْهَا فَقَالَ تَبَارَكَ الَّذِي نَجَّانِي مِنْكِ لَقَدْ أَعْطَانِي اللَّهُ مَا لَمْ يُعْطِ أَحَدًا مِنْ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ قَالَ فَتُرْفَعُ لَهُ شَجَرَةٌ فَيَنْظُرُ إِلَيْهَا فَيَقُولُ يَا رَبِّ أَدْنِنِي مِنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ فَأَسْتَظِلَّ بِظِلِّهَا وَأَشْرَبَ مِنْ مَائِهَا فَيَقُولُ أَيْ عَبْدِي فَلَعَلِّي إِنْ أَدْنَيْتُكَ مِنْهَا سَأَلْتَنِي غَيْرَهَا فَيَقُولُ لَا يَا رَبِّ وَيُعَاهِدُ اللَّهَ أَنْ لَا يَسْأَلَهُ غَيْرَهَا وَالرَّبُّ عَزَّ وَجَلَّ يَعْلَمُ أَنَّهُ سَيَسْأَلُهُ لِأَنَّهُ يَرَى مَا لَا صَبْرَ لَهُ يَعْنِي عَلَيْهِ فَيُدْنِيهِ مِنْهَا ثُمَّ تُرْفَعُ لَهُ شَجَرَةٌ وَهِيَ أَحْسَنُ مِنْهَا فَيَقُولُ يَا رَبِّ أَدْنِنِي مِنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ فَأَسْتَظِلَّ بِظِلِّهَا وَأَشْرَبَ مِنْ مَائِهَا فَيَقُولُ أَيْ عَبْدِي أَلَمْ تُعَاهِدْنِي يَعْنِي أَنَّكَ لَا تَسْأَلُنِي غَيْرَهَا فَيَقُولُ يَا رَبِّ هَذِهِ لَا أَسْأَلُكَ غَيْرَهَا وَيُعَاهِدُهُ وَالرَّبُّ يَعْلَمُ أَنَّهُ سَيَسْأَلُهُ غَيْرَهَا فَيُدْنِيهِ مِنْهَا فَتُرْفَعُ لَهُ شَجَرَةٌ عِنْدَ بَابِ الْجَنَّةِ هِيَ أَحْسَنُ مِنْهَا فَيَقُولُ رَبِّ أَدْنِنِي مِنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ أَسْتَظِلُّ بِظِلِّهَا وَأَشْرَبُ مِنْ مَائِهَا فَيَقُولُ أَيْ عَبْدِي أَلَمْ تُعَاهِدْنِي أَنْ لَا تَسْأَلَنِي غَيْرَهَا فَيَقُولُ يَا رَبِّ هَذِهِ الشَّجَرَةُ لَا أَسْأَلُكَ غَيْرَهَا وَيُعَاهِدُهُ وَالرَّبُّ يَعْلَمُ أَنَّهُ سَيَسْأَلُهُ غَيْرَهَا لِأَنَّهُ يَرَى مَا لَا صَبْرَ لَهُ عَلَيْهَا فَيُدْنِيهِ مِنْهَا فَيَسْمَعُ أَصْوَاتَ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَيَقُولُ يَا رَبِّ الْجَنَّةَ الْجَنَّةَ فَيَقُولُ عَبْدِي أَلَمْ تُعَاهِدْنِي أَنَّكَ لَا تَسْأَلُنِي غَيْرَهَا فَيَقُولُ يَا رَبِّ أَدْخِلْنِي الْجَنَّةَ قَالَ فَيَقُولُ عَزَّ وَجَلَّ مَا يَصْرِينِي مِنْكَ أَيْ عَبْدِي أَيُرْضِيكَ أَنْ أُعْطِيَكَ مِنْ الْجَنَّةِ الدُّنْيَا وَمِثْلَهَا مَعَهَا قَالَ فَيَقُولُ أَتَهْزَأُ بِي وَأَنْتَ رَبُّ الْعِزَّةِ قَالَ فَضَحِكَ عَبْدُ اللَّهِ حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ ثُمَّ قَالَ أَلَا تَسْأَلُونِي لِمَ ضَحِكْتُ قَالُوا لَهُ لِمَ ضَحِكْتَ قَالَ لِضَحِكِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ قَالَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَلَا تَسْأَلُونِي لِمَ ضَحِكْتُ قَالُوا لِمَ ضَحِكْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ لِضَحِكِ الرَّبِّ حِينَ قَالَ أَتَهْزَأُ بِي وَأَنْتَ رَبُّ الْعِزَّةِ صحيح رواه مسلم واحمد